الحضارة الإنسانية بين الذاكرة و الحلم
يقول عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته (مقدمة ابن خلدون)، معرفاً المدنية بما يلي: " هي أحوال زائدة عن الضروري من أحوال العمران، أو بمعنى آخر رفاهية العيش، لذلك فهي تظهر في المدن والأمصار والبلدان والقرى، أي في الحضر، ولا تظهر في البادية". لقد عمرت الأرض مدنيات كثيرة، تركت لنا آثاراً تشهد بمبلغ التطور والرقي الذي وصلته، لكن لم يسبق لأي من هذه المدنيات بلوغ ذرى التقدم العلمي الذي تشهده المدنية المعاصرة، والتي تدين بكثير من الفضل لمنهج البحث الذي اتبعته، فحملها خلال بضع من السنين إلى الكواكب البعيدة، لقد شهدنا دهورا هيمنت فيها الفلسفة الإغريقية على الغرب في العصور الوسطى، و كان خطأ فلاسفة الإغريق الكبير أنهم صرفوا وقتا كبيرا في المناحي النظرية، والقليل من الجهد في الملاحظة والبحث العلمي، فكان على الغرب كي ينهض، أن يضرب عرض الحائط بالجدل والحوار العقيم الذي لا فائدة للناس فيه و بجميع نظريات هذه العصور. نهج الفلاسفة الإغريق على اعتبار (العلم) نوعاً من الترف العقلي، فذهب (أفلاطون) إلى أن ممارسة الأعمال اليدوية هو من الأعمال الدنيئة التي لا تليق بالأشراف، صحيح أن الفيلسوف وعالم ال...