المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠٢٤

أفول الحضارة العربية الإسلامية

  تبدأ قصة اعتقال العقل العربي المسلم بملحمة التفكير والتكفير التي جرت بين اثنين من قامات الفلاسفة المسلمين، هما الغزّالي وابن رشد، قامتان لم يجمعهما الزمان ولا المكان، بل حب الحقيقة : تناول الغزّالي الفلاسفة بالتحليل التفصيلي، وذكر أصنافهم وأقسامهم، وما يستحقونه من التكفير بحسب رأيه، مما هو ليس من الدين، واعترف في الوقت نفسه بما جاؤوا به من علوم تجريبية ناجحة، بذلك اعتُبر الغزّالي أول عالم ديني يقوم بهذا التحليل المنهجي للفلسفة، إذ قسّم الغزّالي علوم فلاسفة اليونان إلى العلوم الرياضية، والمنطقيات، والطبيعيات، والإلهيات، والسياسة، والأخلاقيات، وكان جلّ انتقاد الغزّالي وهجومه على ما يتعلق بالإلهيات من الفلسفة، إذ كان يرى فيها أكثر أخطاء الفلاسفة، وقد كفّر الغزّالي فلاسفة الإسلام المتأثرين بالفلسفة اليونانية، وألّف كتاباً مخصوصاً للرد عليهم سمّاه "تهافت الفلاسفة"، وفيه هاجم الفلاسفة بشكل عام والفلاسفة المسلمين بشكل خاص، وخاصة ابن سينا والفارابي الذين هاجمهما هجوماً شديداً، فمهّد دون أن يعلم للقضاء على الفلسفة العقلانية في العالم الإسلامي منذ ذلك الحين ولعدة قرون متواصلة. ربما

شمس الله تسطع على الغرب

  شمس الله تسطع على الغرب [1] إن دراسة السيرة الذاتية وإبداع فلاسفة ومفكري وعلماء العصر الذهبي من الحضارة الإسلامية يتطلب مجلدات من البحث والتنقيب، لكننا سننتقي من هذا الفيض شذرات من أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية في أول نهضتها : للتفكير العلمي خصائص لا يستقيم دونها، من ذلك أن يبدأ العالم بحثه دون تحيز لأية معلومات سابقة، إنّ مشكلة المنطق الأولى هي تتبع مصادر أخطاء العقل والتصدي لها، هذه الأخطاء يمكن أن تنجم عن التسليم بآراء الآخرين أو عن غموض اللغة كأداة للتفاهم والتعبير عن الأفكار أو الأخطاء التي تغري بها الطبيعة البشريّة، كالميل إلى التسرع في إصدار الأحكام والانسياق مع الأهواء والمصالح التي تقود إليها الميول الفردية من سماحة أو تعصب أو تفاؤل أو تشاؤم، أما مفتاح البحث فهو التجربة، وهي تدبير لظروف ملائمة للإجابة على تساؤل محدد، أو بمعنى آخر فالتجربة هي توجيه سؤال إلى الطبيعة حول فكرة تتطلب الجواب، وعلى الباحث أن يتخلى عن الفكرة التي جعلها أداة لتفسير الطبيعة متى أثبتت التجربة بطلانها . لقد نزع العلم الحديث إلى الرصد وتحويل الكيفية إلى كمية والتعبير عن وقائع الحس بالرس

انتقال شعلة الحضارة إلى العرب المسلمين

 بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية منتصف القرن الخامس بعد الميلاد امتصت البابوية في أوروبا تدريجيا سلطة الأباطرة والملوك حتى امتلكت ثلث الأرض في القرن الثالث عشر، وتولت عمليا إدارة شؤون الدول والمجتمعات في أوروبا. يطلق بعض المؤرخين اسم العصور المظلمة على الفترة التي تلت سقوط الإمبراطورية الرومانية والممتدة بين القرنين الخامس والخامس عشر للميلاد، أي حوالي 1000 سنة، ساد فيها الجهل والتخلف و طوقت الكنيسة العقل الأوروبي اليافع بعقيدة محدودة، أما ما ظهر من بعض الأفكار العلمية في عصور الظلام تلك في أوروبا، فقد قُمعت في مهدها من قبل السلطات الكنسية الحاكمة، فأحيل العالم والفلكي (غاليلي) الذي قال بدوران الأرض مثلا إلى ديوان التفتيش في روما بعد أن أضحى شيخاً متوعك الصحة، وهناك تحت التهديد والتعذيب أجبر على التصريح بأن أفكاره كانت خاطئة، وأنه قد تنازل عنها، ثم عُزل في منزل قريب من (فلورنسا)، وكان ممنوعا عليه دخولها، ومنعت قراءة كتبه. كما أُحرِق المفكر (جيوردانو برونو) حيا بعد أن أُغلِق فمه بمسمار لأنه كان يؤمن بأن الأرض ليست الكوكب الوحيد الذي تقوم عليه الحياة بل يمكن أن تكون هناك كواكب أخرى ش

جذور الحضارة الغربية

 إن ما يسمى بعصر النهضة في أوروبا  ليس حركة ثقافية وحسب، بل نزعة أنجبت الرأسمالية والاستعمار وساهمت في تشويه حضارات أكثر عمقا  في تاريخ الحضارة الإنسانية من حضارة الغرب من حيث علاقة الإنسان بالطبيعة وما وراء الطبيعة، إن منابع حضارة الغرب الإغريقية والرومانية والمسيحية تجد جذورها الأولى في الحضارات الأقدم في ما بين النهرين في آسيا والحضارة الفرعونية في شمال أفريقيا، ولم تقم في عزلة عن التاريخ كما يدعي البعض، إن مولد الحضارة الغربية المتميزة بإرادة السيطرة والنفوذ، تجد تعبيرها الأدبي في ملحمة (جلجامش) وقد سبقت إلياذة (هوميروس) الإغريقي بألف و خمسمئة عام. نجد في أناشيد ملحمة (جلجامش) التي وضعها كاتبها للملك (آشور بانيبال) جميع مقومات الفكر الاستعماري الذي صاحب نهضة الغرب، ففيها مغامرة عملاق خلقته الآلهة، ثلثه إنساني وثلثاه إلهيان، وقد استعبد البشر وسيطر على الأرض ومواردها، وهذا ما يسعى الغرب إليه اليوم بكل ما أوتي من قواه التقنية والفكرية والاستعمارية. أما أثر الحضارة   المصرية في نشأة الحضارة الغربية فيبدو واضحا في تهيئة الفيلسوف (أفلاطون)، الذي ترك مصير أستاذه المحزن سقراط، بعد تنفيذ

مشكلة الحضارة المعاصرة

  بلغت الحضارة الإنسانية في العصر الحديث شأوا بعيدا من التقدم والازدهار، وأصبحت المنجزات التي كانت تعد يوما من ضروب السحر والخيال كالتحليق في جو السماء بأجسام أثقل من الهواء، أو الاتصال آنيا بالصوت والصورة مع أقصى بقاع الأرض واقعا راهنا بمتناول الجميع. لقد تحقق كل ذلك من خلال تسخير العلم والتقانة لنفع وفائدة الإنسان بدلا من الاستغراق في خطابات وجدل لا يسمن ولا يغني من جوع. ليس هذا وحسب، بل المستقبل يعد بأكثر من ذلك بكثير، فالبشرية تقف اليوم على أعتاب عصر الفضاء لتطرق أبواب السماء وتسخر ما فيها لصالح الإنسان. لكن، وفي خضم هذا التطور والازدهار نسيت البشرية أهم ما يميزها عن بقية أحياء الأرض وهو انسانيتها، فاهتمت بالجانب المادي فقط من التقدم والازدهار ونسيت الجانب الروحي والأخلاقي فأصبحت حضارة عوراء عرجاء، تبحث عن الفضيلة فتقع في الرزيلة من خلال الحروب الظالمة المستمرة يوما بعد يوم والتي أصبحت تهدد الجنس البشري بكامله بالفناء، هذا على مستوى العلاقة الخارجية بين الشعوب، أما على صعيد الفرد والمجتمع، فقد انغمست كثير من المجتمعات والأمم في مستنقع الجريمة والمخدرات والتمايز والتفاضل بين الأجن