أخطاء التفكير و الحوار و كيف نتجنبها؟


من أهم ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية ملكة التفكير التي تقوم على العقل و المنطق، أما مهمة المنطق فهي تتبع مصادر أخطاء العقل والتصدي لها، هذه الأخطاء يمكن أن تنجم عن التسليم بآراء الآخرين أو عن غموض اللغة كأداة للتفاهم أو التعبير عن الأفكار أوالأخطاء التي تغري بها الطبيعة البشريّة، كالميل إلى التسرع في إصدار الأحكام والانسياق مع الأهواء والمصالح، أوالتي تقود إليها الميول الفردية من سماحة أو تعصب وتفاؤل أو تشاؤم، كما أنّ التفكير هو الوسيلة لحل المشاكل و الصعاب التي تفرضها متطلبات الحياة، و هـو وسيلة الإبداع التي نقلت الإنسان من رحاب الأرض إلى رحب الفضاء .
تبرز من خلال عملية التفكير أخطاء شائعة يقع فيها الكثيرون من غير أن يشعروا، ذلك أن معظم هذه الأخطاء تحدث في اللاشعور كاجراء يهدف إلى حماية الذات. إن ترسيخ هذه الأخطاء يقف عقبة كأداء أمام التطور و التقدم الذي يطمح إليه الأفراد و الشعوب، كما يؤدي إلى النزاع بين الأفراد و الجماعات، و في الحالات المتقدمة إلى نتائج كارثية من التطرف و  الانجراف وراء حروب كارثية نشهدها في كل عصر.
و قد تناولنا هنا أهم الأخطاء الفكرية الشائعة بالعرض و النقد و التحليل، و أوجزنا طرق التصدي لها و علاجها:

أهم الأخطاء الفكرية الشائعة:

1. التفكير الإقصائي: قد نرفض فكرة ما لمجرد أنها قد صدرت عن شخص نحن على خلاف عقائدي أو سياسي معه، أو أننا نكرهه لسبب أو لآخر. هذا الخلاف لا يعني أن جميع ما يقوله هذا الشخص خطأ، فيجب أن نكون بعيدين عن التحيز في الحكم على آراء الآخرين
 2.    تصديق الخطاب لمجرد أنه صدر عن سلطة عليا، مثل ما يشيعه بعض أصحاب السلطة و الوجاهة و النفوذ من أيديولوجيات و أفكار و مزاعم،  هذا لا يعني بالضرورة أن نثق بأفكارهم دون مناقشة لمجرد أنهم يشغلون مناصب رفيعة في الدولة و المجتمع. أو يتمتعون بكاريزما تسهّل عليهم قيادة العامة.
3.     عدم التسليم بالأقوال الشائعة قبل دراستها و تمحيصها، مثل المقولة الشائعة: "لو خليت الأرض من بعض الأشخاص الصالحين لخربت-أو لو خليت خربت" فمفهوم الصلاح مفهوم نسبي، و ما هو صالح بالنسبة لي قد لا يكون كذلك بالنسبة لشخص آخر، و ما هو صالح هنا و الآن قد لا يكون كذلك في مكان و زمان آخر، كما يخبرنا الواقع و التاريخ عن مجتمعات كثيرة كان فيها من يمكن اعتباره صالحا أو فاسدا، لكن هذه المجتمعات تفككت و انهارت عندما عم الفساد و الفوضى.
4.     غياب الدليل أو الإثبات على وقوع أمر ما أو صحته لا يمكن اعتباره اثباتا لوقوعه أو صحته، مثلا هناك احتمال كبير لوجود حياة عاقلة على كواكب أخرى غير الأرض ... لكن هذا الاحتمال وحده لا يكفي لإثبات وجود حياة أخرى ما لم يقترن بدليل مادي ملموس.
5.     التهرب من الإجابة المناسبة من خلال اتهام الخصم بصفات لاعلاقة لها بالموضوع، وهذا ما يحصل في الواقع من خلال تكفير الآخرين المخالفين بالرأي بدون علم.
6.     الحكم على واقعة ما بالهوى دون علم أو اثبات واضح: مثلا القول بأن الباخرة (تايتانيك) قد غرقت لأن الصحافة وصفتها ب "السفينة التي لا تغرق"، و تجاهل الأسباب الهامة و الواقعية للغرق و من أهمها أن الباخرة كانت تمخر عباب المحيط بسرعة تجاوزت الحد المسموح الأمر الذي لم يتح لها فرصة المناورة لتجاوز الجبل الجليدي الذي ارتطمت به، ثم إن نوع المعدن الذي صنعت منه السفينة (كما تبين بعد الحادث) لم يكن من النوع المقسى بالمعالجة الحرارية، فلم يحتمل عزم الصدمة، و قد تم تجاوز هذا العيب الفني لاحقا بمعالجة هياكل السفن المعدنية بالطريقة المذكورة.
7.     أوهام القبيلة: من أخطاء البشر أنهم إذا آمنوا برأي سواء عن طريق التسليم به أو متأثرين بالمجتمع الذي يعيشون فيه، نجدهم برغم الأدلة الكثيرة التي تثبت بوضوح بطلان رأيهم، فإنهم يرفضونها بعنف و تحيز مطلق بدلا من التضحية بالرأي الخاطئ الذي آمنوا به أولا.
8.     أوهام الكهف: و هي الأخطاء التي يختص بها الإنسان كفرد، فالبعض ينزع إلى التحليل، و البعض إلى التركيب، و البعض يميل إلى تبجيل كل قديم، و بعضهم يحتضن بحماس كل جديد، و هناك من يقف موقفا وسطا فلا يستغني عن القديم الصحيح، و لا يخشى الجديد النافع، لأن الحقيقة لا تعرف تحيزا أو تعصبا.
9.     أوهام السوق: و تنشأ من اللغة المتداولة بين الناس و فقا لعقلية الغالبية ، و تقوم على مسلمات خاطئة درجت عليها العامة، مثلا: عند جهينة الخبر اليقين، و ما أدرانا أن خبرها هو اليقين؟؟ أو عند زيد أفضل أنواع الطعام في السوق، و هل اختبرنا كل أطعمة السوق لنستيقن أنه الأفضل؟؟ الأكثرية إذا ليست معيار الحقيقة.
يُتبع

تعليقات

  1. شكرا لك أخي طارق زينة على هذه المقالة التي تبين إجماع علماء المسلمين على كروية الأرض.

    قال أبو حامد الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ص80:

    " القسم الثاني: ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين، و ليس من ضرورة تصديق الأنبياء و الرسل - صلوات الله عليهم - منازعتهم فيه، كقولهم: إن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس، من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة، والسماء محيط بها من الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض، انقطع عنه نور الشمس ؛ وكقولهم: إن كسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس، وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة.

    وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين، فقد جنى على الدين وضعف أمره، فأن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها، ويتحقق أدلتها، حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف، وقدرهما، ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له: إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة، أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقه، وهو كما قيل: عدو عاقل خير من صديق جاهل".

    ردحذف
  2. المقال مناسب جداً لهذه الأيام التي نشهد فيها الحوار المتعصب والمتخلف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فنجد الانجراف الأعمى لأفكار القبيلة، واستخدام العبارات المسيئة والشتائم في الحوار. نسأل الله العافية. شكراً على ما تقدمه من ابداعات استاذ طارق حفظك الله.

    ردحذف
    الردود
    1. بارك الله فيك و رعاك أخي الكريم، يشرفنا أن نتعرف على حضرتك. شكرا على مرورك الكريم.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قاله أعلام علماء المسلمين عن كروية الأرض و شكل الكون

معجزة الشمس

أمثولة الكهف؛ قصة الحقيقة و الوهم