أطوار المدنية الكونية الثلاثة


اعتقد بعض العلماء في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، بان المجرة مليئة بالحضارات العاقلة التي لا تستطيع تبادل الزيارات بينها لأسباب فيزيائية بحتة، لكنها تنهمك في محاولات للاتصال ببعضها من خلال بث أمواج راديوية في الفضاء، فقام (فرانك دريك)، أحد المتحمسين لهذه النظرية بتجربة عام (1960)، حاول فيها التقاط إشارات راديوية من المنطقة المحيطة بنجمين قريبين من الأرض، يقاربان الشمس في العمر والكتلة، هما (تاوسيتي Tauceti) و(إيبيسون إريداني Epison Eridani).
أمضى دريك وفريقه أسابيع يتنصتون إلى هاتين المنطقتين من خلال مراصدهم الراديوية الضخمة في ولاية فرجينيا الغربية من الولايات المتحدة، وقد أطلقوا على تجربتهم اسم (مشروع أوزما) نسبة إلى الساحر الأسطوري (أوز) الذي يعيش في أرض خرافية. بعد بضعة أسابيع تمكن الباحثون من التقاط إشارة قوية من منطقة (إيبيسون إريداني)، فغمرتهم نشوة الانتصار، لكنهم سرعان ما فوجئوا بأن الإشارة الملتقطة كانت من طائرة حربية تعمل بشكل سري، مما أدى إلى إثارة ضجة إعلامية كبيرة، بين مؤيد ومعارض لمثل هذه التجارب، أوقف المشروع برمته على إثرها.
بغض النظر عن المشروع (أوزما) ونتائجه، نتساءل فيما إذا كانت هناك مدنيات عاقلة فعلاً في المجرة، تسعى، وبشكل دؤوب للاتصال بسكان الأرض، وما الذي يهمها من هذا الاتصال أصلا؟
الواقع أن المسافات الكونية السحيقة، إضافة إلى حقل الشمس الراديوي الجبار يشكلان حجاباً غليظاً بيننا وبين المدنيات الأخرى (إن وجدت)، أيضاً فإن مثل هذا الاتصال يستدعي أن يكون لدى الآخرين فكرة عن الحضارة الأرضية، وعن إمكانية تبادل المعلومات معها، كذلك فإن تبادل المعلومات يستغرق ملايين السنين نظراً لأن انتقالها عبر أمواج الراديو يتم بسرعة الضوء التي لا يمكن تجاوزها بحسب نظرية آينشتاين النسبية، لذلك لا نجد مبرراً قوياً كي تقوم المدنيات الكونية الراقية المفترضة بالاتصال بالأرض، الأمر الذي دفع علماء آخرين إلى البحث عما يمكن أن تخلفه مثل هذه المدنيات من آثار كونية للتعرف عليها، والتأكد من وجودها، بدلاً من السعي للاتصال بها.
كتب الفلكي المرموق (دايسون) عام (1959) مقالاً هاماً انتهى فيه إلى أن الضغوط المالتوسية (أزمة السكان) ستدفع المدنيات الراقية إلى استثمار الموارد الكونية خارج حدود الكوكب الذي قد تتواجد هذه المدنيات عليه، فتبدأ باستثمار الموارد على الأجرام السماوية القريبة منها مكونة بذلك مراكز لأنشطتها وفعالياتها تحيط بالنجم الذي يدور كوكبها أو كواكبها حوله.
لقد تمخضت فرضية (دايسون) عن نظرية فلكية هندسية كبرى، تدعى باسم (غلاف دايسون-Dyson Sphere)، تقول النظرية، أنه بوسع المدنيات الراقية تفتيت الكواكب العملاقة، كالمشتري في المجموعة الشمسية مثلاً، وتحويلها إلى مقالع لاستخراج المعادن منها، أو لإقامة مستعمرات سكنية على شظاياها.
توضع هذه الشظايا في أفلاك حول الشمس الأم، بحيث تتعرض إلى أكبر كمية ممكنة من الطاقة المنبعثة من الشمس أو النجم الأم، فتشكل حلقات شبيهة بحلقات كوكب زحل، إلا أنها أكثر ثخانة، وامتداداً في الفضاء، فلا يظهر من تلك الشمس سوى قبتيها: العليا والسفلى، ويصبح الضوء المنبعث منها، والذي يشاهده الراصد البعيد، خافتاً، خلافاً لما ينبئ به عمر النجم من شدة الضياء الذي يجب أن يكون عليه.


نموذج لأثر حضارة كونية تستغل شمسها إلى أبعد الحدود

يعتقد (دايسون) وزميله عالم الفضاء الروسي (كارداشيف) أن المدنية الكونية العاقلة تمر وفقاً لرقيها في ثلاثة أطوار:
1-   الطور الأول أو الأدنى:  وهو الطور الذي يقوم على مصادر الطاقة المتاحة في كوكب واحد فقط كما هو الحال بالنسبة لمدنية الجنس البشري على كوكب الأرض.
2-   الطور الثاني: ويقوم على استثمار مصادر الطاقة والمعادن المتاحة لدى الجيران الكواكب (كواكب المجموعة الشمسية مثلاً، بالنسبة لمدنية الجنس البشري على الأرض حالياً)، كما يكون في وسع هذا الطور من المدنية إحداث تغييرات في تركيب وبنية هذه الكواكب، بالشكل الذي يتيح استثمارها، والاستفادة من مصادر طاقتها إلى أبعد الحدود، ويصفان هذا الطور بالقول:
"... في تلك المرحلة، يبدأ النوع العاقل مؤسس المدنية بتشييد العمران في المناطق المحيطة بالنجم الأم، كي يضمن استثمار الطاقة التي يبثها هذا النجم إلى أقصى حد ممكن، ناهيك عن إقامة مستعمرات جديدة لنوعه الذي لا يفتأ يتكاثر باستمرار".
3-   الطور الثالث: ويقوم على استثمار مجموعات نجومية مع توابعها من الكواكب (أي استثمار مقاطع كاملة من نجوم وكواكب مجرة درب التبانة مثلاً)،
فمدنية الجنس البشري مازالت إذاً في مرتبتها الدنيا تحبو على حواف الكون.

إن البحث عن مدنيات راقية في الكون حسب مفهوم (دايسون)، يجب أن يتركز في البحث عن آثارها الكونية التي تتضح من خلال استثمارها الأمثل لمصادر الطاقة والثروات المعدنية المحيطة بها في الفضاء.

تعليقات

  1. اقتباس:
    المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وائل (جمال) مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    ذكرني مقالك بما قرأته عن التأثير الشبحي عن بعد،وما يفترضه العلماء من خلال الجزيئات المترابطة ،،حيث يمكن حينها ان نعتبر الوجود الفاصل في الجزيئات المترابطة غير موجود اصلا ،،ونكسر بذلك سرعة الضوء،واذا تكمن العلماء من التحكم بهذه الجزيئات المترابطة فحينها نستطيع السفر الى اي مكان دون اللجوء الى قطع المسافة .ويصير تبادل الزيارات بيننا وبين الكائنات العاقلة عبر الكون ممكنا .
    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته؛ نعم أخي الكريم، هذا التأثير (الشبحي) المحير: أو التشابك الكمّي (بالإنجليزية: Quantum Entanglement) سيسمح بالتواصل آنيا بين بقاع الكون مهما تباعدت المسافات التي تفصلها عن بعضها، حتى و لو بلغت مليارات السنين الضوئية.
    تقوم اليوم تجارب لصنع حواسب تعتمد هذا المبدأ في عملها، و يتوقع لهذه الحواسب لو قدّر لها أن ترى الضوء، أن تتجاوز سرعتها في المعالجة سرعة الحواسب الخارقة المعروفة اليوم بملايين المرات، الأمر الذي سينقل البشرية إلى مراحل جديدة من التقدم و الرقي لم نحلم بها من قبل.
    أطيب التحية و التقدير.

    ردحذف
  2. لتوضيح فكرة التشابك الكمي التي أثارتها مشاركة الزميل الفاضل وائل (جمال) أعلاه أنقل الموضوع التالي مع بعض التصرف:
    يقول العالم الشهير ريتشارد فاينمان " ميكانيكا الكم هي النظرية التي يستخدمها الكل ولا يفهمها أحد على الإطلاق" وقد قال قبله عراب ميكانيكا الكم نيلز بور "اذا قرأت ميكانيكا الكم ولم تشعر بشيئ من الغرابة، فإنك حتما لم تفهمها" وقد أجبرت تلك الغرابة أكبر دماغ في القرن العشرين، آلبرت آينشتين، على القول " لا يمكن لعقلي تقبل فكرة أن الله يلعب النرد!" وعلق ثعلب الفيزياء النظرية وولفغانغ باولي ذات مره بقوله "لقد تخلى عنا الله!". من أين تأتي كل هذه الغرابة؟ في الحقيقة لا عجب أن يصل التعجب الى هذه الدرجة بالنسبه لفيزيائيي القرن العشرين. جميع الأسماء السابقة ساهموا بطريقة أو بأخرى في بناء ميكانيكا الكم. إن جيل علماء الفيزياء الحالي لم يعد يتعجب من ميكانيكا الكم الى هذا الحد. لقد باتوا يتعايشون معها رغم اختلافها مع طريقة تفكير أدمغتنا المعتاده.

    ألغاز ميكانيكا الكم كثيره ولست هنا لذكرها كلها. في هذه المقالة أريد التحدث عن أكثر الألغاز عصيا على الفهم في ميكانيكا الكم. ألا وهي (التشابك الكمي) Quantum entanglement. لا تزال هذه الظاهرة غريبة جدا الى وقتنا الراهن. لكن كثير من الجامعات والمعاهد العليا حول العالم قد بدأوا في خلق تطبيقات كثيره لها. مثل الكمبيوتر الكمي، والنقل الآني وغيرها. لكن ما هي هذه الظاهرة؟

    تصور بأنك زهقت من وضع بلدك وقررت المغادره الى نجم بروكسيما سنتوري في أقرب رحلة ممكنه، وهو نجم يبعد عنا أربع سنوات ضوئيه تقريبا. وبدأت بإرسال تغريدات وصور في انستغرام من هناك. كل تغريدة أو صورة ترسلها ستحتاج أربع سنوات حتى تصل إلينا! ليست المشكله أن شركات الاتصال في ألفا سنتوري نصابة كشركاتنا، لكن تغريداتك وصورك ترسل على شكل ضوء، وبروكسيما يبعد أربع سنوات ضوئيه عنا، إذن كل تغريدة أو صورة ستحتاج ٤ سنوات لتصل الى متابعيك، سواء كانوا حقيقيين أم افتراضيين.! طالما أن الضوء هو أسرع ما في الكون فلا أمل لديك في إرسال تغريداتك في أقل من أربع سنوات. وبالمناسبة كل رتويت وفيفرت أيضا سيحتاج أربع سنوات لتراه. ولا أنصحك أبدا بالرد والمجادله مع أحد، لأنكما ستموتان قبل حسم الجدال!!

    ردحذف
  3. تتمة:
    لكن ظاهرة التشابك الكمي تكسر هذه القاعدة. التشابك الكمي هو نبوءة تأتي من معادلات ميكانيكا الكم. فإذا قربت جسيمين من بعضهما إلى مسافة كافية، فستصبح خصائصهما متشابهه. الآن اذا تم التشابك بينهما (ويا بخت من وفق رأسين بالحلال) سيبقى التشابك بينهما موجودا دائما، فإذا أبقيت أحدهما في الأرض ونقلت الآخر إلى القمر أو بروكسيما سنتوري أو إلى أي مكان يبعد زلايين السنين الضوئيه فأن التشابك يظل موجود بينهما!! هذا الاخلاص الحقيقي.

    في الحقيقه هذا التشابك غريب جدا جدا، فعندما تقيس أو تؤثر على أحد هذين الجزيئين فإن الآخر سيتأثر أيضا. لقد أصبحا جسدين وروح واحدة! الآن، تصور بأنه لدينا مايكل جاكسون عدد2، واحد هنا على الأرض والآخر تم ارساله الى بروكسيما سنتوري، حيث يقيم صديقنا المهاجر. إذا قمنا بشبك الإثنين بشكل كمي، فإن أي رقصة يؤديها الذي على الأرض سيؤديها الآخر بشكل "آني". أي أن المايكل السنتوري لا يحتاج أن يتلقى إشارة من المايكل الأرضي حتى يقوم بتقليده. فالإثنان سيرقصان وكأنهما شيئ واحد، في ذات اللحظة تماما.
    الآن بدلا من المايكلين قم بشبك إلكترونين وبدلا من حركات اليدين والرجلين، لدينا هنا في الإلكترونين كميات فيزيائية يمكن قياسها، كالموقع وكمية الحركة والعزم الدوراني وغيرها، ستكون هذه الكميات متطابقة تماما اذا كان الالكترونين متشابكين. وأي شيئ تؤثر فيه على الإلكترون الموجود في الأرض سيتأثر الآخر "آنيا"!

    لقد استاء آينشتين من هذه الظاهرة كثيرا، وأطلق عليها لقب "التأثير الشبحي" Spoky Action. ورفض فكرة الاتصال الآني. لكن خصمه اللدود نيلز بور أقر بوجودها. ودار بينها جدال طويل، ولأن التكنولوجيا لم تكن متطوره في ذاك الوقت، فقد اعتبرت المسأله فلسفيه وليست علمية حتى غيب الموت آينشتين في عام ١٩٥٥ وظل مقتنعا أن التشابك غير موجود، بينما رحل نيلز بور عام ١٩٦٢ وظل مقتنعا بوجوده.


    في عام ١٩٦٤ أتى عالم ايرلندي مغمور اسمه جون بيل بورقة علمية من ذهب، فقد عرف كيف يحول المشكله من فلسفة إلى تجربة. و وضع الخطة لبناء تجربة تنهي نقاش بور و آينشتين. بعد ثلاث سنوات قام طالب دكتوراه يدعى جون كلاوزر بتنفيذ هذه التجربة، وبالمناسبة كانت الدكتوراه الخاصه به عن علم الفلك، نفذ هذه التجربة التي لا مجال هنا لشرحها وقد صعقته النتائج؛ التشابك الكمي حقيقة وليس خيالا.
    بعد فترة وجيزة أجرى الفيزيائي الفرنسي ألانه سبي تجربة أكثر تطورا وحسم الأمر بها نهائيا.
    التشابك الكمي أصبح اليوم شيئا مسلما به، و اليوم هناك تطبيقات عدة في هذا المجال منها الحواسب الكمية، و السفر الآني خلال المسافات الكونية الهائلة.

    ردحذف
  4. هذا كله خيال يا حاج طارق
    الإنسان لا يحتاج لتجارب لاثبات وجود مخلوقات عاقلة فى السماء لأنه لن يقدر على الصعود للسماء دون أن يهلك وناسا وغيرها من وكالات الفضاء العالمية كلها تتبع وكالات مخابراتية تضحك على الناس لسلب أموالهم باسم العلم فكلها أفلام تصور على الأرض
    الملائكة فى السماء وهى عاقلة كما قال تعالى "وكم من ملك فى السموات "
    لا حاجة بنا إلى السماء لأننا نعيش على الأرض ولابد من تعميرها ولا توجد مقومات حياة للناس فى العالم الظاهر لنا سوى فى الأرض

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قاله أعلام علماء المسلمين عن كروية الأرض و شكل الكون

معجزة الشمس

أمثولة الكهف؛ قصة الحقيقة و الوهم