القرآن و الحياة العاقلة خارج الأرض


النجوم أجرام ضخمة ملتهبة، والشمس ليست إلا نجماً متوسط الحجم، يزيد حجمها مليون و ثلاثمائة ألف ضعف تقريبا عن حجم الأرض، و في الكون نجوم عملاقة قطرها يزيد على ما يملأ الفراغ بين الأرض والشمس، و من النجوم ما يفوق حجمه ملايين المرات حجم الشمس، بينما يقل حجم أصغر النجوم عن حجم الأرض.
تتجمع النجوم في مجموعات ضخمة تدعى المجرات أو الجزر الكونية.  تنتمي شمسنا إلى المجرة التي تدعى درب التبانة، هذه المجرة لها شكل الفطيرة المسطحة و لها بروز في وسطها، تقع الشمس و كواكبها العشرة (بما في ذلك الأرض) في الجزء المسطح من المجرة، تحوي مجرة درب التبانة وحدها أكثر من 200 مليار نجم.
تقاس المسافات الكونية بين النجوم و المجرات بواحدة تسمى السنة الضوئية، و هي بالتعريف المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة أرضية و تبلغ 9.461 تريليون كيلو متر (9.461.000.000.000) كم.
أقرب جيران مجرة درب التبانة مجرة تبعد عنها عشرين ألف سنة ضوئية، أما أبعد النجوم فيقع في مجرات على بعد مليارات السنين الضوئية من درب التبانة.
في السماء أيضا كواكب يزيد عددها كثيرا عن عدد النجوم. تختلف النجوم عن الكواكب في أن الأولى تبث الحرارة و الضوء بتأثير التفاعلات النووية التي تجري داخلها، فيمكن القول أن النجوم أفران نووية عملاقة في حين أن الكواكب كالأرض عبارة عن كتل مادية باردة تستمد الحرارة و الضوء من النجوم التي تدور الكواكب في أفلاكها، و لكي نعرف عدد الكواكب في الكون كله يجب معرفة عدد النجوم أو الشموس مثل شمسنا التي يدور حولها كوكب الأرض و عدد المجرات مثل مجرة درب التبانة التي يوجد فيها كوكب الأرض و الشمس و ما يدور حولها من كواكب ثم يمكننا حساب متوسط عدد الكواكب في الكون كله تقريبا … و قد استطاع العلماء عن طريق التليسكوبات العملاقة المتطورة رصد آلاف الملايين من المجرات وصل عددها التقريبي إلى 100 مليار مجرة في الكون كله و هذا الرقم قابل للتضاعف في حال تطور التكنولوجيا الخاصة برصد الفضاء.
إذا أخذنا مجرة درب التبانة أو الطريق اللبني  (The milky way galaxy) التي تقع أرضنا فيها على سبيل المثال، وهي مجرة متوسطة الحجم، فإن العلماء يقدرون عدد النجوم فيها بأكثر من 200 مليار نجم كما يقدرون عدد المجرات في الكون بحوالي 100 مليار مجرة، فعدد النجوم في الكون يبلغ بالمتوسط 20.000 مليار مليار نجم، و الآن إذا افترضنا أن كل نجم يتبعه عدد من الكواكب نجد أن عدد الكواكب في الكون سيكون رقما هائلا يصعب تصوره
ما يهمنا أكثر هو معرفة عدد الكواكب الشبيهة بكوكب الأرض و التي تصلح لاحتضان الحياة الراقية من حيث بنيتها، و احتوائها على الماء، و بعدها عن النجم الذي تدور حوله بحيث تقع في منطقة آمنة ليست بالحارة المحرقة و لا الباردة المهلكة، و أن يكون عمر النجم كافيا ليمد الكوكب بالطاقة فترة كافية لنشوء الحياة و ارتقائها عليه، أي أكثر من أربعة مليارات سنة أرضية. لقد اكتُشف حتى عام 2010 حوالي 400 كوكب شبيه بالأرض، و العدد آخذ بالازدياد مع تطور و سائل الرصد و المراقبة، فليس من ضرب الخيال أن نتوقع وجود حياة عاقلة على بعض هذه الكواكب.
لقد حصلت في السنوات الأخيرة اكتشافات مفاجئة من خلال المراقب الفلكية الجديدة المتطورة التي تسبح في الفضاء، و من خلال المسابر التي حطت على سطح المريخ و قامت بتحليل تربته، و في عام 2018 اكتشف الباحثون وجود بحيرة من الماء بالقرب من القطب الجنوبي لكوكب المريخ، مدفونة على عمق 1.5 كم من الجليد، يُعتبر هذا الحوض المائي المفترض أكبر حوض للمياه على المريخ، و يعتقد أنه هناك منذ فترة طويلة، مما ينعش الآمال بإمكانية احتضان الكوكب الأحمر للحياة، و بأن شكلا من أشكال الحياة قد وجد سابقا على هذا الكوكب.
كذلك بينت دراسة أحد النيازك التي يتوقع أنها قد سقطت على الأرض من المريخ وجود مستحاثة تشبه الدودة ربما عاشت سابقا على سطح المريخ، كما تظهر في الصورة التالية:

 صورة مجسمة لنيزك من المريخ ضرب الأرض، تظهر عليه مستحاثة تشبه الدودة

هذا بما يخص مجموعتنا الشمسية التي لا تكاد تتجاوز في حجمها نقطة بين مليارات النجوم في مجرة درب التبانة، فما بالك باحتمال وجود حياة عاقلة  على العديد من ملايين أو مليارات الكواكب الشبيهة بالأرض في الكون؟ و هل أشار القرآن إلى مثل هذا الاحتمال؟

نبدأ بتعريف كلمة السماء في اللغة العربية، و ننتقل لنعرف كيف وردت كلمتا سماء و سماوات في القرآن الكريم. السماء لغة هي من كل شيء أعلاه، و هي ما علاك فأظلك، فيمكن أن تكون الغلاف الغازي المحيط بالأرض مثلا أو الفضاء الخارجي، أو سطح أي كوكب يعلو الأرض كالقمر و الزهرة و المريخ. و قد وردت كلمة سماء و كلمة سماوات بأكثر من معنى في القرآن الكريم
فهي الغلاف الغازي المحيط بالأرض مثلا في قوله تعالى:
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" الروم-48
وهي الفضاء الخارجي بين النجوم و المجرات في قوله:
"وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" الذاريات-47
و السماوات هي العوالم الأخرى أو الكواكب المنتشرة في الكون في قوله:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ" آل عمران - 190
وقوله:
"إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُون"َ يونس - 6
وقوله:
"قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ" يونس-101
و:
وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف-105
من الأدلة القرآنية الصريحة على وجود أحياء في السماوات غير أحياء الأرض قول الله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ  وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ" الشورى-29، وبث فيهما أي في الأرض وفي السماوات.
وقد يشتبه الأمر على البعض بالقول أن دواب السماء هم الملائكة، لكن هذا يخالف صريح ما جاء في القرآن من أن الله خلق كل دابة من ماء "والله خلق كل دابة من ماء" و هذا يشمل دواب السماء، أما الملائكة فهم مخلوقون من نور كما ثبت في الصحيح من الحديث: " عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" مسلم (2996)، وأحمد (6/ 153)، وابن حبان (6155).
فرق الله بين دواب السماوات وبين الملائكة في قوله تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" النحل-49 ، فذكر الملائكة بعد الدواب في الآية فدل على أنهم ليسوا منهم، وعليه فدواب السماء أحياء أخرى غير الملائكة.
وأيضا في قوله تعالى "وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ" الأنبياء-19، قال ابن كثير والقرطبي وابن عاشور (ومن عنده) أي الملائكة، ففرق الله بين من في السماوات والأرض وبين من عنده من الملائكة، ففهمنا ضمنا أن من في السماوات والأرض هم مخلوقات أخرى غير الملائكة.
نجد في ما مر إشارة لوجود أحياء أو دواب مبثوثة في السماوات خارج الأرض التي نعيش عليها ولكن هل أشار أيضا إلى أن هذه الدواب فيها كائنات عاقلة كما الإنسان على الأرض؟؟؟ ... نعم بدلالة ما يلي:
قول الله تعالى "أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ" يونس-66، وقوله تعالى "وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ" الأنبياء-19، ومعلوم أن (من) تأتي في اللغة العربية للعاقل و (ما) لغير العاقل، ففي هذه الآية دليل على وجود حياة عاقلة في السماوات كما أن هناك حياة عاقلة في الأرض. ومعلوم أن كل ما في السماوات وما في الأرض مملوك لله عاقل او غير عاقل "له ما في السماوات وما في الأرض" الشورى-4 وعندما يخص الله العقلاء بالذكر "من في السماوات ومن في الأرض" يدل ذلك على تأكيد أنهم بالرغم من خلقهم عقلاء مخيرين بين الإيمان والكفر إلا أنهم مملوكين لله قادر على التصرف فيهم كيفما شاء.
إذا كانت دواب السماء قد خلقت من ماء مثل خلقنا فلابد أن الكواكب التي يعيشون عليها تحوي الماء اللازم لحياتهم، وعليه لو وجدت حياة على كوكب آخر غير الأرض لاحتوى هذا الكوكب على الماء، و حين يبحث العلماء عن أثر لوجود حياة خارج الأرض فان أول ما يبحثون عنه هو الماء، الأمر الذي يؤكده القرآن الكريم بقوله:  "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" الأنبياء-30.
لقد وصف القرآن الكريم هذه الكائنات العاقلة بأن لها أجساما كثيفة لا تمرر الضوء مثل أجسامنا ذلك بأن لها ظلالا  تمييزا لها عن الملائكة التي هي أجسام نورانية لا ظل لها، قال تعالى: "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩" الرعد-15 ، وظلالهم أي ظلال من في السماوات ومن في الأرض. إن وجود ظل لدواب السماء يستدعي وجود شموس تشرق وتغرب بتكرار منتظم، والشمس لا تظهر إلا بغلاف جوي يجليها "والنهار إذا جلاها" الشمس-3 ، يؤكد ذلك ذكر الغدو والآصال، فالغدو يشير إلى أول النهار والآصال تشير إلى وقت الغروب. ومعنى سجود الظلال أن الله خلقها من أعراض الأجسام الأرضية ، فهي مرتبطة بنظام انعكاس أشعة الشمس عليها وانتهاء الأشعة إلى صلابة وجه الأرض حتى تكون الظلال واقعة على الأرض وُقوعَ الساجد. فسبحان الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قاله أعلام علماء المسلمين عن كروية الأرض و شكل الكون

معجزة الشمس

أمثولة الكهف؛ قصة الحقيقة و الوهم