المشاركات

مكانة المرأة بين تعاليم القرآن وتحديات الحضارة الغربية

  إن الغزو الثقافي الذي يتعرض له العالم العربي والإسلامي صوّر المرأة الغربية على أنها الأيقونة التي يجب أن تقتدي بها نساء العالم بالرغم من كل ما تعانيه المرأة في الغرب، ولو عدنا إلى صفحات التاريخ لوجدنا أنه لم تكن للمرأة مكانة ولا كرامة في كل المجتمعات التي سبقت الإسلام إلا نوادر هنا وهناك، ممن كنّ من عوالي القوم في نسبهنّ، أو ممن عُرفن بحكمتهن وشأنهنّ [1] . تبدأ قصة امتهان المرأة لدى الإغريق، أي في مهد الحضارة الغربية، فهذا أرسطو الفيلسوف اليوناني في كتابه (السياسة) يلخص الآراء السائدة عن المرأة في عصره بالقول: "إن المرأة بطبيعتها أدنى من الرجل، وأنها يجب أن تكون خاضعة له. وقد اعتقد أرسطو أن النساء يمتلكن جزءًا من الروح التداولية، ولكنهن يفتقرن إلى السلطة الطبيعية التي يمتلكها الرجال [2] . كما وصف النساء بأنهن أكثر عاطفية وأقل عقلانية من الرجال، وأن دورهن الأساسي هو الإنجاب ورعاية الأسرة." وقد جاءت رواية التوراة بأن حواء التي خُلقت من ضلع آدم قد قامت بارتكاب الخطيئة الأولى وهي أكل الفاكهة المحرمة وأودت بذلك إلى سقوط الإنسان من الجنة، فمن المتوقع أن تتطور هذه القصة وتشدد

السعي نحو تجربة أصيلة للإيمان

نعيش اليوم في عالم منشطر بين الشمال والجنوب، بين الذين يملكون والذين لا يملكون. إن الموارد الطبيعية في كوكبنا يشرف عليها ويستهلكها خمس سكانه وهؤلاء يمتلكون أكثر من 80% من الدخل العالمي في حين يقع الآخرون بين براثن الفقر والجهل والأمراض التي تدفعهم إلى الهجرة نحو الشمال وزيادة عدد العاطلين عن العمل هناك. والهجرة هي تلك الحركة التي لا سبيل إلى كبحها والتي تقود الذين لا يستطيعون العيش على أرض أجدادهم من مناطق الجوع إلى مناطق البطالة. إن زيادة الإنتاجية باستخدام وسائل التحكم والتقانة الحديثة لم يعد يخلق وظائف جديدة، لكنه على العكس يحذف منها فقد حلت الآلة محل جزء كبير من اليد العاملة الإنسانية، لكن المصيبة لا تقع على العلوم والتقنيات بل على سوء استخدامها عندما لا تتناقص ساعات العمل بل تتضاعف البطالة أضعافا مضاعفة، هذا يعني أن التقانة لم تخدم الإنسانية بل خدمت مالكي وسائل الإنتاج. إن زيادة أوقات الفراغ لو حصلت يجب ألا يستردها سوق أوقات الفراغ الذي يحوّل الوقت الحر إلى وقت فارغ من خلال أنواع التسلية الاستهلاكية التي تُقتَرح له والتي لا تؤدي إلى الصحة الجسدية والنمو الثقافي، بل بدلا من أن تساع

المنقذ المنتظر

  تعالَ يا غودو.. وخلّصنا من الطغاةِ والطغيانْ فنحنُ محبوسونَ في محطّةِ التاريخِ كالخرفانْ تعالَ يا- غودو ... وجفِّفْ دمعَنا وأنقذِ الإنسانَ من مخالبِ الإنسانْ [1] إنه المنقذ مخلص الإنسانية من آلامها، ولك أن تسميه (غودو) كما جاء اسمه في مسرحية الكاتب الأيرلندي (صموئيل بيكيت [2] أو مهدي آخر الزمان، أو المسيح المنتظر في بعثه الثاني ... وستجد أن لمختلف العقائد والحضارات صورًا متشابهة لشخصية منقذ مخلص؛ هو المعين الإنساني الذي نهلت منه جميع المجموعات المظلومة ملامح تراثها العقائدي في صراع الخير والشر، النور والظلمة، الحق والباطل ... وهذا ما نجده في أدبيات جميع فرق الأديان السماوية، وحتى لدى المذاهب والعقائد القديمة، التي احتاجت إلى بطل، إلى منقذ ينتشلها من الظلم والجور وفساد الحكام، فرسمت صورة غلب عليها الطابع الأسطوري لمنقذها، نسجها خيال أولئك المضطهدين في كل جماعة بشرية. وحول هذه الشخصية المنتظرة تختلط كثير من الروايات والأساطير التي تضفي على هذا المنقذ صفات خارقة تتعاظم يومًا بعد يوم مع ازدياد الظلم الواقع على الطائفة أو الفرقة التي تنتظره، ثم إن الديانات السماوية والوضعية ت

المسلمون والحداثة: 2- إيران والحداثة

  أما في إيران فقد برزت دائرة من المفكرين والكتاب والسياسيين الذين أبدوا إعجابهم بالثقافة الغربية من أمثال ملكوم خان (1833-1908) وميرزا آغا خان كرماني (1853-1896) وأرادوا إنشاء دولة علمانية معتقدين أن الدين (وهو المذهب الشيعي في حالتهم) يعرقل مسيرة التقدم. وكان كرماني مثلا يرى أن الدين لا بد أن يتخذ طابعا عمليا حتى يعود بالفائدة على الناس، فما فائدة البكاء على الحسين إذا لم يؤد إلى إنصاف الفقراء وإطعام الجياع؟ وما فائدة مناقشة أحكام الطهارة ومعراج النبي إلى السماء في الوقت الذي يبحث فيه الغرب سبل الطيران في السماء ليتفوق بذلك على الأمم الأخرى؟ لكن تصور هؤلاء المفكرين كان ساذجا ومحدودا، فقد تصوروا أن بإمكانهم نقل الحداثة الأوروبية إلى الشرق بمجرد محاكاة القوانين التي تنظم الدولة والمجتمع في الغرب، وانتحال العلوم الطبيعية التي تقوم عليها نهضتهم كما اعتقد محمد علي باشا، وجهلوا أن الحداثة جميع متكامل يبدأ من الفرد وطريقة تفكيره العلمية التي تنبذ الخرافة والأساطير، وتنتهي بجسد الأمة الذي يقوم على المساواة والعدل والإنصاف.   وهكذا ففي مطلع القرن العشرين وبينما اعتقد المصريون أن سر نجاح الغ

المسلمون والحداثة: 1- مصر والحداثة

  واجهت المسلمين مشاكل عميقة معقدة عندما حاولوا أن ينفضوا عن أنفسهم حصاد سنين من التخلف العلمي والتقني وأن يجدوا لأنفسهم موقعا تحت الشمس يليق بتجذّر حضارتهم الضاربة عمقا في التاريخ، فقد وجدوا أنفسهم أمام قوى أجنبية استعمارية غازية، أرغمتهم أن يرزحوا تحت نير الاستعباد والتبعية السياسية. نظرا للتجربة الغنية التي خاضتها كل من مصر وإيران في هذا السبيل والتي يمكن اعتبارها نموذجا وأمثولة لما مرت به بقية بلدان العالم الإسلامي، فإننا سنقتصر في البحث على هاتين التجربتين بالنقد والتحليل. بدأ أول احتكاك بين طلائع الغرب والمسلمين عندما غزا نابليون بونابرت مصر في عام 1798، محاولا أن يقيم فيها قاعدة عسكرية في السويس ليقطع على انكلترا طرقها البحرية إلى مستعمراتها في الهند، ولكي يهاجم الدولة العثمانية من بلاد الشام وبذلك أصبحت مصر وبلاد الشام لعبة قوة بيد الدول الكبرى للسيطرة على العالم. لكن نابليون قدم نفسه للمصريين على أنه حامل لواء التقدم والتنوير، فبعد أن انتصر على فرسان المماليك في معركة الأهرام في 21 يوليو (تموز) 1798 أصدر إعلانا باللغة العربية يتضمن الوعد بتحرير مصر من الحكم الأجنبي للممالي